
قال الكاتب شورش درويش إن تسمية مشروع مؤسسة ايزدينا بـ "دستور يحمينا" ينطوي على الكثير من المعاني حول أهمية الدستور.
حديث درويش جاء خلال مشاركته عبر تطبيق "زووم" (أونلاين)، في الجلسة الحوارية السادسة التي نظمتها مؤسسة ايزدينا ضمن مشروع "دستور يحمينا"، يوم الخميس الأول من شهر نيسان/ أبريل في مدينة الحسكة، بمشاركة مجموعة من الشابات والشباب والناشطات والنشطاء المدنيين.
وتحدث درويش خلال مداخلته عن كيفية تشكل ونشأة الدساتير في سوريا وعن موضوع المبادئ فوق الدستورية.
وسرد درويش في بداية مداخلته حادثة تاريخية تعود لأكثر من 100 عام حول الحرب التي جرت خلال عامي 1904 و1905 بين اليابان وروسيا القيصرية، حيث كانت اليابان هي الدولة الآسيوية الوحيدة التي تمتلك دستوراً، بينما كانت روسيا هي الدولة الأوربية الوحيدة التي لا تملك دستوراً آنذاك، ورغم أن اليابان بدت ضعيفة لكنها هزمت الدولة القوية روسيا القيصرية.
وأوضح درويش أن ذلك دفع الناس للتفكير بمعاني الدستور، لافتاً إلى الثورة الدستورية في إيران بين عامي 1905 و1911 حيث خرج آلاف الإيرانيين مطالبين بالدستور.
وقال الكاتب السوري الكردي إن أول دستور كان في ظل الدولة العثمانية عام 1876 والذي صدر في زمن السلطان عبدالحميد وكان يسمى "القانون الأساسي للدولة"، بينما كان صدر في عام 1856 وفي عهد السلطان عبد المجيد ما يسمى "الخط الهمايوني" وهو الأقرب لصيغة الدساتير لكنه جاء بغاية تنظيم دور العبادة.
وأضاف درويش أن الدولة العثمانية انتقلت من صبغة الدولة الإسلامية إلى صبغة دولة تعددية نوعا ما، لكن سرعان ما اختفى الدستور العثماني وتم إبطال العمل به إلى حين قيام والي دمشق مدحت باشا عام 1896 بإصلاح دستوري وقوله إن الدستور سيحمي الدولة وأصبح يسمى مدحت باشا بـ "أبو الدستور"، إيمانًا منه بأن الدستور يحمي الدولة.
وأردف درويش أنه مع هزيمة الدولة العثمانية عام 1920، أعلنت حكومة فيصل الملكية عن دستور استمر لعام كامل حيث شهدت سوريا أول دستور علماني جريء جدًا لم يتحدث عن الدين أو عن العروبة ومسائل القومية، وحدد حقوق وواجبات المواطنين، ومن النقاط اللافتة في دستور 1920 أن حرية التعبير مكفولة في الدستور وأنه لا يجوز التعذيب في مراكز التوقيف وأنه من حق الصحافة نشر ما تشاء، كما حدد الدستور أن دين الملك هو الإسلام ولكنها كانت نقطة ثانوية لا تنقص من علمانية الدستور، كما حدد الدستور بعض الأسس المتعلقة باللامركزية.
وتابع درويش أنه مع الانتداب الفرنسي في سوريا عام 1928 وضعت فرنسا في عهد المندوب هرني بونصو أول دستور حيث أقرّ بونصو العلم السوري بموجب القرار 3111 والذي يسمى علم الثورة في هذه الأثناء.
وأضاف درويش أن السوريين في عام 1945 أزالوا الكثير من المواد من الدستور، وفي عام 1950 وضع السوريون دستوراً ركزوا فيه على لجانب الديني وحددوا اسم الجمهورية بأنها عربية وتم إلغاء باقي المكونات السورية بذلك، وحدد الدستور بأن دين رئيس جمهورية هو الإسلام.
وأشار الكاتب أن الدستور الذي وضعه أديب الشيشكلي كرس مفهوم الجمهورية وأعطى صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، حيث تكررت عدة دساتير في سوريا وصولاً إلى الدستور الذي وضعه الرئيس جمال عبد الناصر للجمهورية المتحدة عام 1958، وبعدها كان دستور الانفصال الذي سمى سوريا بالجمهورية العربية والذي أحدث شرخاً بين المكونات السورية.
وأوضح درويش أنه مع استلام حزب البعث الحكم في سوريا أصدر عدة دساتير منها دستور عام 1961 المؤقت ودستور عام 1966 ودستور عام 1969 والدستور الذي أصدره حافظ الأسد عام 1971 الذي أكد أن حزب البعث هو القائد للدولة والشعب وبالتالي ألغى بموجبه جميع الأحزاب السياسية ولم يبقى لهم أي دور سواء أكانت معارضة أو غيرها.
وأضاف درويش أنه في عام 2012 وبعد الاحتجاجات في سوريا، عدل حزب البعث الدستور وألغى العديد من المواد كالمادة الثامنة من الدستور، ولكن أبقى على الكثير من المواد الإشكالية مثل أن الإسلام هو مصدر التشريع وعدم سماح للمرأة بالترشح لمنصب الرئاسة الأمر الذي يناقض التفكير الحديث.
وأكد درويش أن أكثر من 100 عام وضعت الدساتير في سوريا على أهواء الانقلابين أو الحكام، لافتاً إلى أن الدستور واحدة من المسائل الأساسية التي سترسم مستقبل سوريا، وأنه لا بد من حضور وتمثيل الشباب والنساء والاثنيات والأقليات وجميع أبناء سوريا في الدستور.
ولفت درويش إلى مسألة الاعتراف بالهوية القومية للمكونات، حيث أن هناك نوعين من الدساتير، أحدها تعترف بهم بشكل سلبي والآخر تعترف بهم بشكل إيجابي، موضحاً أن الاعتراف الإيجابي هول القول بأن سوريا فيه قوميات متعددة، أما الاعتراف السلبي هو القول بأن سوريا دولة لكل مواطنيها.
وتحدث الكاتب الكردي عن المبادئ فوق الدستورية أو المبادئ العليا، قائلاً إنها مبادئ تحصن الدستور حيث يمكن للشعب السوري تغيير شيء ما في الدستور الذي يعتبر حق شرعي لهم، لكن بوجود مواد فوق دستورية لا يمكن لأحد تغييرها.
وأضاف درويش أن العملية الدستورية في جنيف كانت ستكون مهمة لو أنه تم انتخاب أعضائها، لافتاً إلى أن واقع الدستور في سوريا يخضع لبازارات سياسية، حيث أن هناك دول رفضت أن يكون لمناطق شمال وشرق سوريا مقاعد وممثلين للمشاركة في صياغة الدستور، إضافة لغياب مكونات دينية وعرقية مثل الإيزيدية والسريان والأشورية، وبالتالي طغيان السياسة على الجانب المهني وغياب الشباب عن الدستور بشكل كبير سواء أكان ضمن وفد النظام أو المعارضة وإلى حد كبير ضمن كتلة المجتمع المدني.
واختتم الكاتب شورش درويش حديثه بالتأكيد على أن الدستور يجب أن يكون محمياً بقوانين وإن على السلطات والحكومات القادمة في سوريا احترام الدستور وحمايته وصونه من أجل مستقبل الشعب السوري.
التعليقات